رواية العواصف (جبران خليل جبران) : حفار القبور الجزء 1
03:29
7 tháng 1 năm 2023
03:29
7 tháng 1 năm 2023
Mô tả
حفَّار القبور
في وادي ظل الحياة المرصوف بالعظام والجماجم سرتُ وحيدًا في ليلةٍ حجب الضبابُ نجومَهَا، وَخَامَرَ الهولُ سكينتها.
هناك على ضفاف نهر الدماء والدموع المُنسَابِ كالحية الرَّقْطَاءِ، المتراكض كأحلام المجرمين، وقفتُ مُصْغِيًا لهمس الأشباح مُحَدِّقًا باللاشيء.
ولمَّا انتصفَ الليل وقد خرجتْ مواكبُ الأرواح من أوكارها، سمعتُ وقع أقدام ثقيلة تقترب مني، فالتفتُّ وإذا بشبحٍ جبار مَهيب مُنتصب أمامي، فصرختُ مذعورًا: «ماذا تريدُ مني؟»
فنظر إليَّ بعينين مُشعشعتين كالمسارج، ثم أجاب بهدوء: «لا أريد شيئًا، وأريد كل شيء.»
قلتُ: «دعني وشأني وسِر في سبيلكَ.»
فقال مبتسمًا: «ما سبيلي سوى سبيلك؛ فأنا سائرٌ حيث تسير، ورابضٌ حيث تربض.»
قلت: «جئتُ أطلب الوحدة، فخلِّنِي ووحدتي.» فقال: «أنا الوحدة نفسي. فلماذا تخافني؟» قلت: «لستُ بخائفٍ منك.» فقال: «إن لم تكن خائفًا فلماذا ترتجف مثل قصبة أمام الريح؟» قلت: «إن الهواء يتلاعب بأثوابي فترتجف، أما أنا فلا أرتجف.»
فضحك مُقهقهًا بصوتٍ يُضَارِعُ ضجيج العاصفة، ثم قال: «أنت جبان، تخافني وتخاف أن تخافني، فخوفكَ مُزدوج، ولكنك تحاول إخفاءه عني وراء خداع أوهى من خيوط العنكبوت، فضحكني وتغيظني.» ثم جلس على الصخر، فجلستُ قَسْرَ إرادتي مُحدقًا الى ملامحه المَهيبة، وبعد هُنيهة خِلتُها ألف عام نظر إليَّ مُستهزئًا وسألني قائلًا: «ما اسمك؟»